استحضر الفيلم التاريخي القصير "الساقية"، ليلة السبت، حيثيات الجريمة الوحشية التي نفّذتها فرنسا يوم السبت 8 فيفري 1958 بقرية ساقية سيدي يوسف على حدود الجزائر وتونس، ما أسفر عن استشهاد 79 جزائريًا وتونسيًا من المدنيين العزّل، وإصابة 130 بجروح.
برسم العرض الشرفي الأول في قاعة سينماتيك العاصمة، سلّط العمل الذي أخرجه مهدي تاسابست وكتبته زبيدة معامرية، الضوء على جانب مؤلم من المأساة الإنسانية التي تعرضت إليها عائلات جزائرية لجأت إلى الحدود الجزائرية التونسية هروباً من بطش ومضايقات المستعمر الفرنسي، إلا أنّهم يتفاجؤون بسرب من الطائرات يدمر مواقعهم السكنية دون تمييز بين كبير وصغير.
فيلم "الساقية" (27 دقيقة)، المُنتج في إطار ستينية الاستقلال من طرف المركز الجزائري لتطوير السينما، اعتمد تكثيف السرد في موقف إنساني واحد، وطرح الحكاية من خلال قصة أسرة تقيم في ولاية سوق أهراس تنتظر بفارغ الصبر فرصة الالتقاء مجدداً مع الأب الذي فضل الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، فيما قررت هي اللجوء إلى تونس المجاورة كغيرها من العائلات عبر اجتياز خط شارل وموريس، وكانت سوق أهراس وقتها مركزاً للقاعدة الشرقية ومنطقة لعبور المؤونة والسلاح والذخيرة.
وانتهى فيلم "الساقية" بمشاهد القصف الجوي الذي نفذته طائرات الجيش الفرنسي في الوقت الذي كان فيه الجزائريون والتونسيين منهمكون في أشغالهم اليومية، بينما كان الأطفال يتلقون درسهم اليومي، ليسقط الجميع ضحية الهجوم وتختلط دماء الأبرياء من الكبار والصغار، كما حاول المخرج أن يدعم تلك اللحظة بصور من الأرشيف تستعيد الدمار الشامل في تلك المنطقة.
وجرى تجسيد الفيلم من طرف سالي بن ناصر (في دور المجاهدة)، جمال عون وعبد الرحمن أكوران (الضابطان الفرنسيان)، ججيقة مخموخان (في دور زوجة المجاهد) وسيد أحمد فروخي وغيرهم.
يُشار إلى أنّ جريمة ساقية سيدي يوسف التي اقترفت يوم السوق الأسبوعية بالقرية، دمّرت مرافق الساقية الحيوية، أدت إلى استشهاد 20 طفلاً و11 امرأة.
وفيما برّرت فرنسا جريمتها بـ "حق ملاحقة ومتابعة ثوّار جيش التحرير"، اعتبرت واشنطن الاعتداء الفرنسي على الساقية "عملاً جنونيًا"، ولا يزال يُجمع الخبراء على أنّ مجزرة الساقية جريمة ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
وتعتبر أحداث الساقية رمزًا للنضال الجزائري التونسي المشترك، كما تشكّل ذكرى الساقية محطة إضافية لتعزيز الإخاء الجزائري التونسي.
وسيتسنى للجمهور الجزائري مشاهدة فيلم "الساقية" عبر مختلف فضاءات متحف السينما الجزائرية بدءاً من مساء اليوم الأحد.