كشف الكاتب خيدر أوهاب، اليوم السبت، حقائق جديدة عما اكتنف استشهاد 14 مجاهداً في سكيكدة قبل 68 عاماً.
في كتابه الموسوم "سكيكدة... شظايا من الذاكرة'، عاد أوهاب إلى ما شهدته عاصمة روسيكادا ظهيرة العشرين أوت 1955، إثر اشتباك 14 مجاهداً مع عساكر العدو الفرنسي واستشهادهم في دار ''بومنجل ديبون'' الكائن بوسط مدينة سكيكدة على بعد أقل من 300 متر فقط شمالي غرب سجن المدينة الشرقية.
وفي محصلة للشهادات والمعلومات التي استجمعها الباحث، أفيد أنّ الاشتباك حصل عقب مرور عشرات المجاهدين من ضاحية بني مالك ومنطقة "باب الأوراس" بأعالي مدينة سكيكدة ليكملوا طريقهم مروراً بشارع ''الرافين'' أو ما يُعرف بـ "شارع الوهد"، متجهين إلى سجن المدينة في مهمّة تمثلت في مهاجمة الحراس الذين كانوا على أسطح السجن لغرض إطلاق سراح المعتقلين الجزائريين.
ولم تسر الخطة مثلما كان مخططاً لها، فبمجرد وصول المجاهدين أمام مدخل السجن، تعرّضوا لإطلاق نار كثيف من طرف الحراس، وردّوا بدورهم لكن سرعان ما تراجعوا وعادوا أدراجهم نحو شارع "الوهد".
وفي شهادتها، أبرزت زكية ديبون ساهل، ابنة أحد مالكي منزل ''بومنجل ديبون''، أنها تتذكر جيدا ذاك الاشتباك الذي عاشت لحظاته، ولا تزال تتذكر وجوه الشهداء الذين رأتهم يقاتلون حتى استشهدوا جميعاً.
وتقول زكية التي كان عمرها حينذاك لا يتجاوز السابعة عشرة، أنّه في حدود الواحدة زوالاً، عاد المجاهدون إلى دار "بومنجل ديبون"، وفور دخولهم انقسموا إلى مجموعتين، الأولى استقرت في الطابق الأرضي، بينما تمركز عناصر الثانية في أماكن محددة بالطابق الأول، بالتزامن، أقدمت إحدى الجارات الأوروبيات بالإبلاغ عنهم، ليحاصر جنود الاحتلال المنزل بالأسلحة الثقيلة.
وتروي زكية (85 عاماً) أنّ المجاهدين أبدوا بسالةً واستماتة في المقاومة، ولم يتوقفوا عن تبادل النيران مع عسكر المستعمر لمدّة ليست بالقليلة، قبل أن يفوزوا جميعاً بالشهادة عند حلول المساء.
ونقل أوهاب عن زكية قولها "إنّ ما وقع في هذا المنزل ما هو إلا جزء من تاريخ المدينة ويجب ألاّ ينسى"، واعتبر الباحث أنّ كل الشهادات التي طرحها لا تمثّل سوى جزءً بسيطاً من تاريخ سكيكدة الثائرة.
الانتقام البشع في "قاعة انتظار الموت"
في مرحلة ما بعد هجمات العشرين أوت 1955، نفّذت آلة الاحتلال الفرنسي انتقامات بشعة عبر التقتيل الجماعي لسكان سكيكدة العزّل.
ولعلّ أخطر تلك الانتقامات، ما حدث في ملعب كيطولي وسط المدينة، الذي صار يسمى اليوم "ملعب الثامن ماي 1945"، وجرى توصيفه من لدن خيدر أوهاب بـ "قاعة انتظار الموت" على اعتبار ما شهده من تقتيل همجي للجزائريين في الحادي والعشرين أوت 1955.
ومن بين المعتقلين الناجين، أفاد صالح سيد الذي كان في الـ 17 من عمره حينذاك: "خرجت من العمل في منتصف النهار رفقة أصدقائي الذين استشهدوا، ووجدت نفسي أركض مع جمع غفير من الناس في حالة من الذعر إلى أن ألقي القبض عليّ وجرى اقتيادي مباشرة إلى ملعب كيطولي، أين أريد لي أن أمضي ثمانية أيام دون أكل أو شرب، وكنا نفترش جميعاً الأرض، بينما استمرّ جلادّو الاحتلال في إعدام الكثيرين رمياً بالرصاص".
وينتهي أوهاب أنّ التقتيل الفرنسي طال عدداً كبيراً من المدنيين في سكيكدة على غرار مشتة الزفزاف وملعب "كيطولي" وغيرهما من الأماكن التي لا تزال شاهدة على فظاعات بطش المستعمر ومجازره الدامية.