واصلت الجزائر مساعيها الحثيثة الهادفة الى اضفاء مزيد من الحيوية على أولويات العمل الدبلوماسي للبلاد، بتركيز تدخلاتها على حماية المصالح العليا للأمة والمساهمة في احلال السلم والامن الاقليميين وتعزيز الروابط مع افريقيا والعالم العربي وتطوير الشراكة عبر العالم، الى جانب وضع استراتيجية حديثة تعنى بالجالية الوطنية في الخارج، حسب بيان السياسة العامة للحكومة.
و أظهرت الوثيقة التي تغطي الفترة الممتدة من سبتمبر 2022 الى أغسطس 2023 -والتي عرض مضمونها الوزير الاول، السيد أيمن بن عبد الرحمان، اليوم الثلاثاء أمام نواب المجلس الشعبي الوطني- أنه لتحقيق هذه الاهداف المسطرة عكفت الدبلوماسية الجزائرية على الصعيد الافريقي، على تثمين مبادراتها ذات البعد القاري، موازاة مع مساهمتها الفعالة في العمل المشترك ضمن المنظمات القارية وكذا عبر مشاريعها الأساسية، على غرار برنامج "منطقة التبادل الحر الإفريقية".
في هذا الاطار، و تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية، تم تزويد الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية بغلاف مالي معتبر قدره مليار دولار أمريكي موجه لتمويل مشاريع على مستوى البلدان الافريقية لا سيما منها دول منطقة الساحل، وفق ما تؤكده الوثيقة.
وفي منطقة الساحل، واصلت الدبلوماسية الجزائرية جهودها للمساهمة في إحلال الاستقرار والأمن عبر مرافقة العديد من البلدان.
ويشير بيان السياسة العامة للحكومة الى ان دولة مالي جاءت في مقدمة الدول التي حظيت بالمرافقة بغية التوصل إلى تحقيق سلام مستدام بها ومن أجل وضع "اتفاق السلم والمصالحة" الموقع في سنة 2015 حيز التنفيذ، باعتبار أن الجزائر تتولى مهمة "الوساطة الدولية" وتترأس لجنة متابعة هذا الاتفاق.
وعملت الجزائر على انجاز مشاريع عديدة في كل من مالي والنيجر عن طريق الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية.
و على الصعيد العربي، تجلت جهود الدبلوماسية الجزائرية النشطة، في مساعيها الحثيثة والجادة والصادقة لتوحيد الصفوف بين الأشقاء العرب وإعادة التأسيس للعمل العربي المشترك وهو ما تكلل بنجاح الدورة ال31 لقمة جامعة الدول العربية التي احتضنتها الجزائر يومي 1 و2 نوفمبر 2022.
إيلاء "اهمية خاصة" للجالية الوطنية في الخارج
حققت الجزائر، بناء على مبادرة الرئيس تبون، نجاحا مشهودا في مسعاها لتوحيد الصفوف بين الفلسطينيين إذ كلل اجتماع الفصائل الفلسطينية باعتماد "اعلان الجزائر" الذي كان له صدى وتأثير على مواقف العرب حيال القضية الفلسطينية.
وتتويجا لجهودها في مجال ترقية السلم والشراكة على الصعيد الدولي، جاء انتخاب الجزائر في 6 جوان 2023 بصفة عضو غير دائم في مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة للفترة 2024-2025، وهو ما يترجم تبني المجموعة الدولية للرؤية السديدة لرئيس الجمهورية، وكذا لمبادرته الرامية الى تفضيل تعددية الأطراف والحلول السلمية للنزاعات، فضلا عن تعزيز دور الهيئة الأممية في إحلال السلم والأمن في العالم، بشكل متين.
ويمثل انتخاب الجزائر عضوا في مجلس حقوق الإنسان لمنظمة الأمم المتحدة للفترة 2023-2025، "اعترافا صريحا" لدورها في مجال ترقية مبادئ وقيم حقوق الإنسان في العالم، يؤكد بيان السياسة العامة للحكومة.
وتظهر الوثيقة بأن علاقات الشراكة التي أقامتها الجزائر مع عدة دول على أساس مبدأ "رابح-رابح"، "ساهمت في تحسن مكانتها كفاعل رئيسي وفعال على الصعيدين الإقليمي والدولي".
وبخصوص الدبلوماسية الاقتصادية، فقد وثق البيان أن "الحكومة ضاعفت من حجم مجهوداتها في سبيل المساهمة في تخفيض التبعية للمحروقات وتجلى ذلك في مساعيها المنصبة على ترقية الصادرات وجلب الاستثمارات وتأسيس قواعد الاستراتيجية الوطنية للتصدير، فضلا عن فتح ممثليات للشركة الجزائرية للمعارض والصادرات ووكالات بنكية جزائرية في كل من موريتانيا والسنغال والنيجر".
كما شملت هذه المجهودات تكوين المكلفين بالقضايا الاقتصادية والتجارية على مستوى الممثليات الدبلوماسية والقنصلية، ناهيك عن تنظيم ملتقيات الأعمال على مستوى الوطن وخارجه وساهمت في نجاحها.
و لتعزيز مكانة ودور الشباب والمرأة في مجال تأطير الجهاز الدبلوماسي و اعطائه مزيدا من الحيوية، تم تقديم اقتراح لتعيين 22 امرأة برتبة "إطار" لتولي وظائف عليا على مستوى كل من الإدارة المركزية والمصالح الخارجية، فضلا عن اقتراح تعيين 64 إطارا من فئة الشباب الذين لا يتعدى عمرهم 45 عاما لشغل وظائف عليا.
و أبرز بيان السياسة العامة للحكومة، "الاهمية الخاصة" التي أولتها الدولة للجالية الوطنية في الخارج عبر وضع استراتيجية مبتكرة تجاه هذه الجالية، "باعتبارها جزء لا يتجزأ من الأمة"، وذلك عبر اتخاذ مختلف التدابير وتسخير الأجهزة لفائدة هذه الشريحة من المواطنين، بما في ذلك تعزيز الشبكة القنصلية بفتح مراكز جديدة بفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، بغرض تقريب الخدمات القنصلية من أعضاء هذه الجالية وتخفيف الضغط على المراكز القنصلية التي تشهد ارتفاع عدد المسجلين.
كما عملت الدولة على توسيع ادماج ممثلي الجالية الوطنية المقيمة بالخارج في المؤسسات الدستورية، وهي تستمر في التعريف بالجمعيات الجزائرية الناشطة خارج الوطن بالنظر الى فعالية هذه الأخيرة في تمثيل الجزائر، علاوة على القيام بمبادرات مشتركة مع الممثليات الدبلوماسية والقنصلية.
و فيما يتعلق بالشق الاجتماعي، التزمت الدولة بالتكفل بالنفقات المترتبة عن تحويل جثامين كافة الرعايا الجزائريين الذين يتوفون بالخارج نحو التراب الوطني، من أجل الحفاظ على كرامتهم، وفق ما جاء في الوثيقة.
و خلص بيان السياسة العامة للحكومة الى أنه انطلاقا مما تقدم، فإن "الجهاز الدبلوماسي قد أدى أعماله بنجاح في إطار تنفيذ التزامات رئيس الجمهورية، وبشكل أخص تلك المتعلقة بإرادته في تحيين أهداف ومهام الدبلوماسية الجزائرية في مضمار الحفاظ على الثوابت والقيم والمبادئ المتجذرة فيها، وذلك على ضوء العوامل المهيكلة والظرفية التي تحدد مساره".