دخلت العلاقات التاريخية بين الجزائر وجنوب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة, عهدا جديدا, بفضل حرص قائدي البلدين على تعزيز أواصر الأخوة والصداقة التي تربط بين البلدين منذ خمسينيات القرن الماضي, والدفع بها إلى آفاق أرحب انطلاقا من قواعد صلبة لتعاون مشترك واعد.
وتندرج زيارة الدولة التي يقوم بها رئيس جمهورية جنوب إفريقيا, السيد ماتاميلا سيريل رامافوزا, إلى الجزائر بداية من يوم غد الخميس , في إطار الديناميكية الجديدة والقفزة النوعية التي تعرفها العلاقة المتينة بين البلدين وتطلعاتهما المشتركة لتكامل اقتصادي شامل وعملهما من أجل تحقيق السلم والأمن والازدهار في إفريقيا والعالم, بفضل التطابق التام لوجهات النظر فيما يتعلق بدعم القضايا العادلة في العالم وفي مقدمتها القضيتان الفلسطينية والصحراوية, وذلك انطلاقا من كفاحهما الطويل ضد القوى الاستعمارية.
وتعود هذه العلاقات التاريخية, إلى المرحلة التي دعمت فيها الجزائر نضال شعب جنوب إفريقيا ضد نظام الأبارتايد واحتضنت الزعيم الجنوب إفريقي الراحل, نيلسون مانديلا, الذي لطالما أشاد بالسند القوي الذي وجده في الجزائر التي كان يقول أنها "صنعت منه رجلا", وهو الأمر الذي دفعه إلى جعلها وجهته الأولى بعد خروجه من السجن في تسعينيات القرن الماضي.
وإلى غاية اليوم لا تزال الجزائر وجنوب إفريقيا من كبار المرافعين من أجل تحقيق قيم وأهداف تعزيز تعددية الأقطاب وتكريس القانون الدولي وترقية التسوية السلمية للخلافات والنزاعات وجعل العالم أكثر أمنا وسلاما وازدهارا, وهما من كبار المدافعين عن القضيتين العادلتين للشعبين الفلسطيني والصحراوي في مختلف المحافل الدولية.
وكان رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون قد نوه في كلمة له بمناسبة إشرافه مؤخرا على مراسم افتتاح السنة القضائية الجديدة بمقر المحكمة العليا, بالمساهمة الفعالة ل"النزهاء عبر العالم, ومنهم إخواننا في جنوب إفريقيا", في قرار محكمة الجنايات الدولية القاضي بإصدار مذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وانطلاقا من متانة العلاقات السياسية التي تربطهما, يسعى البلدان إلى العمل سويا من أجل تعزيز وتنشيط التعاون الاقتصادي واستكشاف فرص الاستثمار وبحث إمكانيات تعاون جديدة في شتى المجالات.
وفي هذا الصدد, كان الرئيس الجنوب إفريقي قد أعرب في رسالة تهنئة بعث بها إلى رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون بمناسبة إحياء الذكرى ال70 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة, عن رغبته في "المضي قدما لتعزيز وتدعيم أواصرالصداقة الممتازة بين البلدين".
كما أكد قبل ذلك في رسالة تهنئة بمناسبة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لعهدة ثانية, رغبته في "المزيد من الارتقاء بالعلاقات الثنائية وتعزيزها ومواصلة خدمة القضايا ذات الاهتمام المشترك, على أسس قوية".
ويرتقب أن تلتئم بمناسبة هذه الزيارة أشغال اللجنة الثنائية رفيعة المستوى.
وقد وقع البلدان شهر أغسطس 2023, على مذكرة تفاهم بين غرفتي التجارة والصناعة الجزائرية والجنوب إفريقية تهدف إلى إنشاء مجلس أعمال مشترك.
كما أطلقت الجزائر خلال نفس السنة خطا جويا مباشرا نحو جنوب إفريقيا, بهدف تعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين, وذلك بقرار من رئيس الجمهورية الذي قرر أيضا تسمية ملعب براقي الجديد باسم "نيلسون مانديلا" في لفتة رمزية لقيت استحسان الشعب الجنوب إفريقي, مثلما أكد عليه حفيد الزعيم الراحل, زويليفيليل مانديلا الذي زار الجزائر في عدة مناسبات.
وانعكست الديناميكية الجديدة التي تشهدها آليات التعاون السياسي على آليات التعاون البرلماني, وذلك من خلال تبادل الزيارات والخبرات, سيما وأن البلدين يشتركان في النظام البرلماني ثنائي الغرف, وتم على هذا الأساس تنصيب المجموعة البرلمانية للصداقة الجزائر- جنوب إفريقيا سنة 2022 بهدف الإسهام في بناء شراكة متميزة تكون في مستوى تطلعات الشعبين الصديقين.