ارتبطت الجرائم ضد الإنسانية في التاريخ البشري بالأنظمة الديكتاتورية والفاشية، وعلى رأسها النظام النازي في ألمانيا بقيادة أدولف هتلر. لكن، ما لا يعلمه الكثيرون هو أن الاستدمار الفرنسي في الجزائر كان قد أسس لهذه الجرائم الوحشية قبل أن يظهر هتلر وتظهر النازية. بل إن بعض الممارسات النازية كانت مستوحاة من أساليب الاحتلال الفرنسي، الذي ارتكب مجازر وحشية ضد الشعب الجزائري على مدار 132 عامًا.، وضد الشعوب الإفريقية كافة على مدار أزيد من قرن.
الاستعمار الفرنسي.. الجريمة التي مهدت للنازية
عندما احتلت فرنسا الجزائر عام 1830، لم يكن الهدف فقط نهب الثروات، بل كان مشروعًا عنصريا استيطانيًا استهدف إبادة الشعب الجزائري ومحو هويته وثقافته الإسلامية والعربية. فرنسا لم تكتفِ بالقتل الجماعي، بل استخدمت أساليب التعذيب والتجويع والتهجير القسري، وهي الأساليب ذاتها التي تبناها النظام النازي لاحقًا.
جدول مقارنة بين النازية والاستعمار الفرنسي
المجال | النازية الألمانية (1933-1945) | الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830-1962) |
---|---|---|
الأيديولوجيا | عنصرية قائمة على تفوق العرق الآري ومعاداة اليهود والشعوب السلافية. | استعمار استيطاني كرس العنصرية من خلال "قانون الأهالي " يهدف إلى القضاء على الهوية الجزائرية ونهب الموارد. |
الهدف الأساسي | السيطرة على أوروبا وتوسيع "المجال الحيوي" (Lebensraum). | الإستيلاء على أكبر مساحة من الأراضي وإبادة الشعب الجزائري ومحو هويته ونهب ثرواته. |
وسائل القتل | غرف الغاز، المحارق، التجارب الطبية، الإعدام الجماعي. | حرق القرى، المجازر الجماعية، التعذيب، التجارب النووية، التجويع. |
أبرز الجرائم | الهولوكوست (إبادة 6 ملايين يهودي)، قتل الأسرى الروس، مجازر بحق الغجر والمعاقين. | مجازر 8 ماي 1945 (45,000 شهيد)، مجازر باريس 1961، تجارب نووية في الصحراء، بالمجمل فرنسا الإستعمارية قتلت نحو 6 ملايين انسان في الجزائر فقط. |
التعذيب | تجارب طبية على الأسرى في معسكرات الاعتقال مثل "أوشفيتز". | تعذيب المعتقلين الجزائريين في مراكز الاستنطاق مثل "فيلا سوزيني" بالجزائر العاصمة. |
الإبادة الثقافية | إحراق الكتب والمكتبات اليهودية والروسية، منع التعليم في المدارس اليهودية. | إحراق الكتب والمكتبات ، منع تعليم اللغة العربية، إحراق المساجد، تحويل المساجد إلى كنائس وثكنات عسكرية. |
التجارب النووية | لم يتم تنفيذها. | 17 تجربة نووية في صحراء الجزائر (1960-1961). |
المحتشدات |
معسكرات الاعتقال (أوشفيتز، داخاو). |
المحتشدات الفرنسية في الجزائر لتجفيف دعم الثورة. |
المحاكمات الدولية | محاكمات نورمبرغ (1945) لمحاكمة القادة النازيين. |
فرنسا لم تعترف بجرائمها في الجزائر ولم تحاكم المسؤولين عنها.
|

الزعيم النازي هتلر على اليمين ورئيس الحكومة الفرنسي فيلب بيتان على اليسار
التقارب السياسي النازي-الفرنسي
يُعد نظام فيشي الفرنسي (1940-1944) أحد أبرز الأدلة على التقارب بين السياسات النازية والاستعمار الفرنسي، حيث تعاونت حكومة فيشي العميلة مع ألمانيا النازية في تنفيذ سياسات عنصرية وقمعية، ليس فقط داخل فرنسا ولكن أيضًا في مستعمراتها.
في الجزائر، هرول المعمرون الى تبني الأفكار النازية بكل حماسة وقناعة وصعدو تحت قيادة حكومة فيشي من اضطهادهم للشعب الجزائري، فتم فرض قوانين تمييزية أكثر قسوة وعنصرية مما كان معمولًا به في ظل الاستعمار التقليدي، وشددت السلطات الإستعمارية النازية الخناق على النشاطات السياسية المطالبة بالاستقلال، واعتقلت العديد من القادة الوطنيين، وفرضت رقابة صارمة على الصحافة والتجمعات وقامت بإلغاء الجنسية الفرنسية لليهود الجزائريين وفقًا لقوانين معادية للسامية مستوحاة من الأيديولوجيا النازية.
هذا التحالف المصلحي بين النظامين يكشف أن الاستعمار الفرنسي لم يكن مجرد قوة احتلال، بل كان بيئة خصبة للأفكار القمعية التي طبقتها النازية لاحقًا بوحشية أكبر، وهو ما يثبت أن الجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها الاستعمار الفرنسي كانت مصدر إلهام لبعض سياسات النازيين، وليس العكس.
جرائم لم يرتكبها حتى النازيون
تبرز في سجل جرائم الاستعمار الفرنسي ، فظائع فريدة لم تشهدها حتى أساليب النازية في أوروبا. فبينما ركز النازيون على الإبادة العرقية والتعذيب المنهجي، انتهج الاستعمار الفرنسي سياسة "الأرض المحروقة" بشكل وحشي استهدف حتى الحيونات والموارد الزراعية.
خلال حرب التحرير الجزائرية (1954–1962)، أحرق الجيش الفرنسي مئات الآلاف من الهكتارات من المحاصيل، ودمر البساتين، وقصف قطعان الماشية والأغنام عمداً لتجويع الشعب الجزائري وكسر إرادة المقاومة. لم تكتفِ فرنسا بقتل البشر، بل حوّلت الأرض إلى ساحة موت حتى للحيوانات، كجزء من إستراتيجية لـتجريد الجزائريين من أدنى مقومات الحياة.
في حين أن النازيين استخدموا التدمير كأداة حرب، إلا أنهم لم يُنسب إليهم تدمير البيئة الزراعية والحيوانية بشكل ممنهج كسياسة عقاب جماعي، كما فعلت فرنسا في الجزائر. هذه الجرائم البيئية والزراعية لم تكن مجرد تكتيك عسكري، بل كانت محاولة لطمس وجود شعبٍ بكامله، جعلت من الاستعمار الفرنسي نموذجاً فريداً للقسوة الاستعمارية التي تجاوزت حتى وحشية النازية في جوانبها "التفصيلية" المدمرة للحياة بكافة أشكالها.
لماذا لم يُحاكم الاستعمار الفرنسي كما حُكمت النازية؟
محاكمة نورمبرغ عام 1945 أدانت القادة النازيين بجرائم الحرب والإبادة الجماعية، لكن فرنسا الاستعمارية لم تخضع لأي محاكمة دولية رغم إبادة أكثر من 5 ملايين جزائري، وتهجير الملايين، ونهب الأراضي، وتدمير الهوية الجزائرية.
إذا كانت النازية قد أرهبت العالم في فترة وجيزة، فإن الاستعمار الفرنسي في الجزائر كان نموذجًا وحشيًا استمر لأكثر من قرن، وارتكب جرائم لا تقل وحشية، بل تجاوزتها في بعض الأحيان. الفرق الوحيد أن النازية حوكمت عالميًا، بينما الاستعمار الفرنسي لا يزال ينكر جرائمه حتى اليوم.
متى سيحاسب العالم فرنسا على جرائمها ضد الشعب الجزائري؟