يمضي المخزن مهرولا في مسار خيانة القضية الفلسطينية, مستكملا حلقات التطبيع السياسي والأمني والثقافي, ليصل اليوم إلى عتبات المدرسة, حيث أقدم على سحب نص فلسطيني من امتحان اللغة العربية الموجه لتلاميذ الابتدائي, ممعنا بذلك في سياسة نزع فلسطين من الذاكرة الجماعية.
جاء هذا القرار, حسب ما نقلته مصادر إعلامية محلية اليوم الأربعاء, في اللحظات الأخيرة قبيل انطلاق الامتحان, ليطال نصا أدبيا يحمل عنوان "الذكرى التي لا تموت", وهو مقتطف من كتاب مدرسي فلسطيني يعكس مأساة التهجير والحنين إلى الأرض, عبر مشاهد تجسد معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني والحق في العودة.
غير أن هذه الرموز, بكل ما تحمله من دلالة إنسانية وتاريخية, صارت مرفوضة داخل فضاء المدرسة, لأنها لا تتماشى مع سياسة المخزن التطبيعية القائمة على طمس كل ما يربط الأجيال بالقضية الفلسطينية.
وقد أثارت هذه الخطوة التي أقدمت عليها مديرية التربية بالدار البيضاء, استنكارا واسعا داخل الأوساط التربوية والثقافية, حيث عبر عدد من الفاعلين عن صدمتهم من إقحام التعليم في لعبة التوظيف السياسي, واستغلال الامتحانات لفرض رقابة أيديولوجية على التلاميذ.
كما عبر عمال وإطارات في قطاع التعليم عن رفضهم لقرار يقصي فلسطين من ورقة اختبار, بينما تغرق وسائل الإعلام الرسمية في تمجيد شراكات مع كيان عنصري قائم على القتل والتمييز والقصف والتجويع.
وفي ظل هذا المسار, أكدت الاطارات الإدارية والتربوية على أن ملامح مشروع سلطوي يفرغ التعليم من محتواه القيمي والوطني يتضح من خلال هذا القرار, ويحوله إلى أداة لضبط الوعي وتعليب الفكر وتحريف الانتماء, إذ لم يعد مسموحا بتمرير نص بسيط يعبر عن معاناة شعب يقاوم الاحتلال, طالما أن الرواية الرسمية قررت أن الانخراط في التطبيع الشامل بات سياسة معتمدة, لا يجوز التشويش عليها, حتى من خلال ورقة امتحان.
وشدد رجال ونساء التعليم الابتدائي خاصة على أن هذا السلوك المهين يكشف عن ازدواجية خطيرة في الخطاب السياسي الرسمي, حيث يتم الترويج لمواقف ظاهرية مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني, بينما تنفذ في العمق, إجراءات تجرم الذاكرة وتعاقب التعبير الحر عن التضامن, فالمدرسة, التي يفترض أن تكون حاضنة للقيم ومهذبة للوجدان, تحولت إلى مساحة مراقبة صارمة, تقصى منها كل المفردات التي تحرك الضمير.
واعتبر العاملون في قطاع التربية أن ما جرى لا يمكن فهمه إلا باعتباره جزءا من هندسة تطبيعية شاملة, تستهدف البنى التحتية للوعي الجماعي, وتسعى إلى إنتاج أجيال مفصولة عن قضاياها, مروضة على الخنوع, وملقنة أن فلسطين ليست شأنها, وأن الاحتلال الصهيوني شريك اقتصادي وسياسي لا يجوز المساس به في المقررات ولا في العقول.
كما أكدوا على أن ما يجري لم يعد مجرد انزلاق سياسي ظرفي, بل هو انهيار أخلاقي كامل, يجري تسويقه كخيار استراتيجي, على حساب العدالة, الكرامة, والتاريخ, مشددين على أن السكوت عن هذه السياسات لا يعني سوى الإقرار بها, والقبول بتجذرها, وفتح الطريق أمام مزيد من التمييع, إلى أن تصبح فلسطين "موضوعا محرما".