المسجد الأقصى: معلم مقدّس بـ 3 رمزيات  

المسجد الأقصى:معلم ديني تاريخي مقدّس لدى المسلمين.. وللجزائريين فيه تاريخ
09/04/2023 - 09:52

يتربع المسجد الأقصى بفلسطين المحتلة على قلب العالم الإسلامي، فهو رمز الشرف والعزّة، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين بعد مكة والمدينة، إضافة إلى كونه ثاني مسجد بُني في الاسلام بعد المسجد الحرام.

ظلّ الأقصى القبلة الأولى للمسلمين بعد هجرة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة عام 1 للهجرة الموافق 622 ميلادية، وكان المسلمون يتخذون من المسجد الأقصى قبلتهم في الصلاة ومكثوا على ذلك مدة 16 شهرًا تقريبًا.

وجرى ذكر الأقصى في سورة الاسراء: "سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ".

وجاء في الأثر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة وهو أحد المساجد الذي تشدّ إليه الرحال".

وتشير مراجع تاريخية إلى أنّ القدس تأسّست على 4 مرتفعات وتحيط بها الوديان والتلال، وتعدّ أكبر مدن فلسطين وأكثرها أهمية دينيًا واقتصاديًا، بُنيت في عهد النبي إبراهيم، ويصل عمرها إلى نحو 38 قرناً.

واقترن المسجد الأقصى بالقصّة الشهيرة التي بدأت حين اشترط أهل القدس قدوم خليفة المسلمين لاستلام المفاتيح، وهو ما فعله الخليفة الفاروق عمر بن الخطّاب. الذي فتحها دون قتال (637 م) وأعطى الأمان لأهلها.

واختلف المؤرخون حول تاريخ بناء المسجد الأقصى لأول مرة، فمنهم من قال إنّ النبي آدم أبو البشر هو من بناه، وفريق آخر ذهب إلى أنّ سام بن نوح هو من بناه، بينما رأى قطاع ثالث أنّ النبي إبراهيم هو من وضع أولى لبنات الأقصى.

وتشير اشتغالات تاريخية إلى أنّ بناء الأقصى كان بدائيا، حيث استخدم الطوب في تشييده، ما استدعى إعادة بنائه أكثر من مرة، قبل أن يمنحه الأمويون تصميماً مميّزاً، دعّمه العباسيون لاحقاً، لكن هزّات متعاقبة دمّرته، قبل أن يأخذ شكله النهائي.

وفي خضمّ الحروب الصليبية، خلّد صلاح الدين الأيوبي اسمه بالبطولات التي سطرها المسلمون في قتال الصليبيين، والانسانية العالية التي أبداها المسلمون تجاه المسيحيين المنهزمين عندما فتحوا القدس مجددًا سنة 1187م الموافق لـ 583 هـ.

وتعاقب المماليك والعثمانيين على حكم القدس، قبل استعمارها من طرف البريطانيين في 9 ديسمبر 1917، ثمّ أدى وعد بلفور إلى اتساع هجرة اليهود نحو فلسطين، ليسيطر عليها  الكيان الإسرائيلي إثر نكبة 15 ماي 1948.

والأكيد أنّ القدس ستعود إلى كنفها الاسلامي مصداقاً لما ورد في حديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد".

وتحظى القدس بمكانة خاصّة لدى الجزائريين الذين وفدوا المدينة المقدّسة بأموالهم وأرواحهم، كما كان صلاح الدين الأيوبي يستأمن الجزائريين على المسجد الأقصى، وكانوا يشكلون طليعة جيشه.

ولا يزال أحد أبواب الأقصى يحمل اسم "باب المغاربة" وهو الباب الذي عبر منه الرسول الأكرم أثناء اسرائه ومعراجه.

وقف سيدي بومدين

ترك العلامة الجزائري الشهير سيدي بومدين الغوث (1115/ 1198م) وقفاً في القدس الشريف، ويتعلق الأمر بحائط البراق الذي ظلّ يتعرض لاعتداءات متكرّرة منذ عام النكبة (1948).

وشارك سيدي بومدين مع كوكبة من الجزائريين في معركة "حطين" الخالدة (1187 ميلادي) التي انتصر فيها جيش صلاح الدين الأيوبي انتصارًا كاملاً على الصليبيين، وفتحت من خلالها "مدينة القدس" في العام نفسه، وكان لسيدي بومدين دورًا هامًا في حيثيات تلك المعركة، حيث كان يقوّي عزائم الجند ويحضّ على الجهاد وأبلى بلاءً حسنًا فيها، حتى أنه فقد ذراعه أثناء القتال في تلك المعركة.

وكافأ صلاح الدين الأيوبي، سيدي بومدين ومقاتليه بحارة بالقدس، والتي عُرفت باسم (حارة المغاربة) وذلك عرفانًا لجهاد "سيدي بومدين" والمغاربة الذين حاربوا في معركة "حطين"، ومشاركتهم في تحرير القدس من قبضة الصليبيين، كما أوقف صلاح الدين الأيوبي وقفيةً خصيصًا من مزارع وبيوت وأملاك عديدة في قرية "عين كارم" قرب القدس لأبي مدين وجنده، ولا تزال صورة الوقف محفوظة في سجلات المحكمة الشرعية في "بيت المقدس"، لكن قوات الاحتلال الإسرائيلي سيطرت عليها سنة 1948 واستولت عليها بالكامل.

وسجّلت اليونسكو وقف "أبي مدين الغوث" على لائحة التراث العالمي المهدّد بالزوال، وسعى كل من الباحث الأكاديمي الجزائري الدكتور "زعيم خنشلاوي" المختص بأنثروبولوجيا الأديان، بمعية الباحث الفلسطيني الدكتور "محمد الحزماوي"، من خلال كتاب "وقف سيدي أبو مدين" الصادر عن منشورات مركز البحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، إلى تسليط الضوء على حقبة جد حساسة، وقدّما دراسة علمية أبرزت كيفية تسيير حبوس وأوقاف الجزائريين بمدينة القدس التي تعيش حاليا تحت وطأة الاحتلال الصهيوني الهمجي.
واحتوى الكتاب المذكور على معلومات تاريخية نادرة، كما اقترح النص الكامل لوقف "أبي مدين الغوث" الذي خصّصه لعموم الفقراء والمحتاجين من أبناء الجالية المغاربية في مدينة القدس سنة 720 هجري الموافقة لـ1320 ميلادي، حيث نتعرف إلى الدور الهام الذي لعبه وقف العلاّمة المتصوف "سيدي أبو مدين" في المجتمع المقدسي ومساهمته في أعمال الخير وبخاصة في تقديم الطعام وإيواء الفقراء والمسافرين منهم وفي تغطية المرضى المغاربيين وعلاجهم بالمستشفيات.
وتطرّق المؤلفان خنشلاوي والحزماوي إلى تنمية وقف أبو مدين الغوث وطريقة عمل إدارته، وتناولا تدهور عقارات الوقف عبر مختلف الحقب التاريخية إلى غاية بداية الاحتلال الصهيوني، حيث تعرّض الوقف إلى اعتداءات عديدة من لدن اليهود.

وجاء في كتاب "وقف سيدي أبو مدين": "اعتاد اليهود زيارة حائط البراق اعتقادا منهم أنّ الجزء الأسفل منه هو البقية الباقية من الهيكل الذي دمّره تيطس عام 70 ميلادي (..)  وجرى التساهل معهم من باب سياسة التسامح الديني، حيث تمّ السماح لهم بممارسة الطقوس والشعائر الدينية، لاعتقاده أنّه لا يوجد ضير من وقوف اليهود على الرصيف الكائن أمام الحائط".
وأوضح الكاتبان أنّ ذاك الرصيف هو عبارة عن زقاق ضيق عرضه أربعة أمتار وطوله ثلاثون مترا، كان يسلكه المغاربيون إلى بيوتهم في حارتهم على أرض الوقف، وبعد احتلال القوات البريطانية مدينة القدس أواخر عام 1917م، جدّد اليهود محاولاتهم بوضع اليد وتملّك جميع ما في ذلك الموقع من ممتلكات وأوقاف إسلامية.
ولاحظ الباحثان أنّ الاعتداءات اليهودية استمرت على الحائط طوال عشرينات القرن الماضي، لمحاولة تغيير الوضع السائد، وتمثل ذلك بجلب الكراسي والمصابيح والحصر وتابوت العهد وكتب التوراة ووضع الستار الفاصل بين الرجال والنساء، ما أدى إلى قيام ثورة البراق عام 1929 التي أودت بحياة العديد من العرب واليهود.

ويشير د. زعيم خنشلاوي ود. محمد الحزماوي، إلى أنّه تمت السيطرة بعد حرب 1948 على منازل العرب وأراضي الوقف، في حين شهدت حارة المغاربة سنة 1967 تهديمًا واسعًا بواسطة الجرافات الصهيونية، ما أسفر عن انهيار نحو 140 منزلاً وإلى تشريد السكان المغاربة البالغ عددهم 650 شخصًا وإلى هدم مسجد البراق وزاويته ومقام الشيخ حسن ومقام الشيخ عبيد ومكتب إدارة الأوقاف ومخازنها.

واشتمل كتاب "وقف سيدي أبو مدين في القدس الشريف" على ملاحق ووثائق وقفية، بينها منظر تخطيطي لحارة المغاربة قبل حرب 1967، ومخطط مدينة القدس الشريف ومخطط زاوية وجامع المغاربة وصور عن الزقاق الذي كان يفصل بين حائط البراق وحارة المغاربة.
ونجد في الكتاب النص الكامل لتقرير البعثة التقنية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) التي جرى إيفادها إلى مدينة القدس القديمة ما بين 27 فيفري و2 مارس 2007، لدراسة أشغال إعادة البناء والحفريات الأثرية في منحدر باب المغاربة المؤدي إلى الحرم الشريف وكانت تضم من بين أعضائها الباحث الجزائري منير بوشناقي.

ويصف متابعون الكتاب بكونه "وثيقة مشرقة" على الماضي العريق للأمة العربية، استعرض بإجادة الأنموذج الحي لتسيير الحبوس والأوقاف وعدالة صرف ريعها في سبيل الصالح العام، ما يدل على نبل الأعراف والتقاليد الإسلامية وحرصها على تأمين الحياة الكريمة لسائر الطوائف والأعراق المنضوية تحت لوائها.

رابـح هوادف – ملتيميديا الإذاعة الجزائرية