تكتنز مدارس أشبال الأمة رصيداً زاخراً على مدار 60 عاماً من أشواطها الثرية بالروافد القيّمة لتكوين النشء منذ فجر مدارس أشبال الثورة غداة غرّة الاستقلال.
تمّ إنشاء "مدارس أشبال الثورة" في ماي 1963، وهي مدارس عسكرية تابعة لوزارة الدفاع الوطني ذات نظام تعليمي شبه عسكري يشمل الطورين المتوسط والثانوي، تحت الوصاية المشتركة لوزارتي الدفاع الوطني والتربية الوطنية.
وقام نهج "مدارس أشبال الثورة" على الانتقاء المبكر للعناصر البشرية الفتية ذات المواهب المتعددة، وهو مسار أثبت فعاليته الأكيدة في تعزيز صفوف الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الوطني بالكفاءات المطلوبة في جميع مجالات النشاط العسكري.
واعتباراً من 26 أكتوبر 2008، صارت "مدارس أشبال الثورة" تسمى "مدارس أشبال الأمة"، بموجب المرسوم الرئاسي رقم 08-340، وجرى تفعيل باكورتها الأولى بدءاً من الموسم الدراسي 2009 – 2010، عبر فتح مدرسة أشبال الأمة الثانوية في مدينة وهران، بهدف تأسيس قطب امتياز لتكوين إطارات المستقبل لفائدة الجيش الوطني الشعبي.
وأقرّت قيادة الجيش الوطني الشعبي إنشاء مديرية أشبال الأمة، تحت سلطة أركان الجيش الوطني الشعبي موكلة لها مهمة ضمان التسيير الحسن للمدارس وتحقيق الأهداف المسطرة من قبل القيادة في مجال التكوين وتوفير تعليم في الطور المتوسط والطور الثانوي والتعليم شبه العسكري القاعدي في آن واحد.
ويتكون النظام الدراسي في هذه المدارس من خليط بين المنهج التعليمي الرسمي وبين التدريب العسكري للتلاميذ، وبعد 3 سنوات يُجرون امتحان البكالوريا الذي يسمح لهم في حال اجتيازه بدخول مدارس عسكرية متخصّصة في تكوين ضباط الجيش وسائر القوات البرية والجوية والبحرية.
اتساع وجاهزية
تتمثل مدارس أشبال الأمة في ثلاث ثانويات وسبع متوسطات موزّعة على كافة أنحاء القطر، بهدف تغطية كامل التراب الوطني وزيادة فرص التحاق الشباب من مختلف أرجاء الوطن، وتمتدّ مدارس أشبال الأمة في كل من وهران والبليدة وبشار والمسيلة وتمنراست وبجاية وسطيف.
وعلى اعتبار أنّ هذه المدارس موضوعة تحت الوصاية المزدوجة لكل من وزارتي الدفاع الوطني والتربية الوطنية، فإنّ طاقم التعليم يتكون من معلمين من وزارة التربية الوطنية، ويتمّ الاعتماد على برامج هذه الأخيرة بالمواد والحجم والتوقيت نفسه بالنسبة للاختبارات والعطل.
أما بخصوص التكوين شبه العسكري القاعدي، المتضمن فضلاً عن المناحي المتعلقة بالانضباط والسلوك العسكري القاعدي كالتحية والنظام، يلقّن الأشبال توجيهاً مدنياً ومعنوياً يشمل مغزى وحس الواجب وحب الوطن ومعاني المواطنة وأسسها وروح العمل الجماعي والتسامح والانفتاح على العالم وتنمية شعور الانتماء للجيش والأمة.
وحرصاً على توفير كافة عوامل نجاح الأشبال في مسارهم الدراسي تم إعداد برامج ثقافية ورياضية متنوعة تتماشى ونظام الدراسة الداخلي يضمن توفير محيطا معيشيا تسوده كافة مقومات الراحة والتسلية، يتم بفضله تدعيم العوامل التحفيزية الأخرى المتبناة على غرار التكفل التام والمنحة الدراسية.
ويتم القبول للالتحاق بهذه المدارس وفقا لنتائج امتحان يتم إجراؤه للتلاميذ المترشحين الذين تتوفر فيهم الشروط التالية: الجنسية الجزائرية؛ شروط السن والمؤهل الدراسي بحسب الطور؛ الفحص الطبي؛ العزوبة؛ تصريح من الولي الشرعي للتلميذ.
ويمكن لمدارس أشبال الأمة أن تستقبل تلاميذ من دول أجنبية وذلك وفقاً للقواعد المعمول بها في إطار التعاون ما بين الجيوش.
روافد غزيرة لكسب غاية النخبوية
الأكيد أنّ صروح مدارس أشبال الأمة تشكّل رافداً من الروافد الغزيرة العطاء، القادرة على تطعيم قواتنا المسلحة بجيل نخبوي مشبّعاً بقيمه الوطنية والحضارية ومعتزاً بأمجاد أسلافه الميامين خادماً لبلاده ومؤمّناً بضخامة المسؤولية الموضوعة على عاتقها.
وتحقيقاً لغاية النخبوية، يُحظى طلبة مدارس أشبال الأمة بتكوين راقٍ في كل الميادين، وذلك بفضل نوعية العنصر البشري المؤهل المجنّد لهذا الغرض والوسائل البيداغوجية الحديثة المتوفرة بهذه المدارس وهيئتها المديرة المتمثلة في مجلس توجيهي ومجلس بيداغوجي مكلفان بإعداد ومتابعة تلقين البرامج التعليمية المسداة على مستوى هذه المؤسسات والتي تؤهلهم للتدرج واجتياز شهادة البكالوريا، ومن ثم توجيه الناجحين لمواصلة التكوين على مستوى إحدى المدارس العليا للجيش الوطني الشعبي بعد متابعة سنة التكوين القاعدي المشترك على مستوى الأكاديمية العسكرية لمختلف الأسلحة بشرشال، كل هذا من أجل تحقيق المزيد من الاحترافية لإطارات الجيش المستقبليين وعصرنة قواته المسلحة.
واعتباراً من السنة الدراسية 2016-2017، جرى فتح مدارس أشبال الأمة أمام فئة الإناث للالتحاق ومتابعة الدراسة، وأتى هذا الإجراء تتويجاً لعملية إصلاح منظومة التكوين للجيش الوطني الشعبي، المحدثة من طرف القيادة العليا منذ عدة سنوات، والتي مكنت فئة الإناث من الالتحاق بصفوف الجيش الوطني الشعبي على مستوى مختلف قيادات القوات، مديريات ومصالح وزارة الدفاع الوطني وترقيتها في مختلف الرتب وشغل مختلف مناصب المسؤولية.
نتائج ممتازة
مما يبعث على الارتياح تلك النتائج التي يسجلها أشبال الأمة كل موسم في امتحانات شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا، وهو ما يعكس كثافة الجهود المبذولة بيداغوجيا ومنشآتياً ومعيشياً وإرشادياً وتحسيسياً، وتلك الرغبة التي تسكن قلوب وأذهان ناشئتنا وأبنائنا من أشبال الأمة اللذين تبشر نتائجهم هذه بقطع خطوات أخرى سديدة ومديدة على درب بلوغ الأهداف المسطرة من قبل القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي لهذا الصرح التعليمي والتكويني الهام.
وبلغة الأرقام، شهدت نتائج امتحان شهادة البكالوريا لدورة جوان 2023، تسجيل دفعات مدارس أشبال الأمة هذه السنة نتائج ممتازة، حيث تحصل (713) شبلاً على هذه الشهادة بنسبة نجاح 98.34 %، أين تحصل (18) شبلاً على شهادة البكالوريا بدرجة "ممتاز" و(185) شبلاً بدرجة "جيد جداً"، و(265) شبلاً بدرجة "جيد"، فيما تحصل بقية الأشبال على درجة "قريب من الجيد"، أما بالنسبة للشبلات فقد حققن نسبة نجاح بلغت مائة بالمئة.
ويُشار إلى أنّ أشبال الأمة في شعبة رياضيات حقّقوا نسبة نجاح 100% في هذه الدورة، حيث تحصل الشبل عبد الواحد بوسعيد من مدرسة أشبال الأمة بوهران، على المعدل الأول وطنياً في هذه الشعبة بمعدل 19.02.
وتشكّل هذه النتائج الممتازة والنوعية مؤشراً قوياً على الاهتمام الخاص الذي توليه القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي لمدارس أشبال الأمة، كما تعكس المستوى الراقي الذي تتميز به هذه المدارس، وتفاني الأساتذة والإطارات الساهرة على تفوّق الأشبال، والوسائل والإمكانات البشرية والمادية والبيداغوجية التي تسخّرها قيادة الجيش الوطني الشعبي لمدارس أشبال الأمة.
رابـح هوادف – ملتيميديا الإذاعة الجزائرية