شدّد د. حسام حمزة، أستاذ العلاقات الدولية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية، اليوم الأحد، على أنّ كل السيناريوهات مطروحة في فلسطين المحتلة بعد 16 يوماً على بدء العدوان على غزة.
لدى نزوله ضيفاً على برنامج "ضيف الأولى" للقناة الإذاعية الأولى"، قال حمزة: "عندما ننظر إلى الحشد الأمريكي في المتوسط، ووصول حاملتي الطائرتين "فورد" و"أيزنهاور"، فإنّ احتمال أقلمة الحرب وتوسعها إلى أطراف أخرى، وارد جداً، وهناك استعداد من الولايات المتحدة لتوفير غطاء أمني ودفاعي ضدّ كل طرف يمكن أن يتدخل لفتح جبهة جديدة تخفّف الضغط عن غزة".
وأردف: "لاحظنا في الأيام السابقة، نوعاً من التوترات منخفضة الشدة في جنوب لبنان وشمال فلسطين، فهذا من المؤشرات الأساسية على إمكانية توسّع الحرب وفتح جبهة جديدة، وهو سيناريو لا يزال مطروحاً".
وذهب ضيف الأولى إلى أنّ الاجتياح البري يبقى احتمالية مطروحة حتى وإن كانت مستبعدة نوعاً ما، بالنظر إلى تبعاتها وعدم قدرة الكيان على تحمّل خسارة جديدة، خصوصاً وأنّ مستوى المخاطرة في الاجتياح البري، قوي جداً، وخسارته سيُضاف إلى خسارة طوفان الأقصى، ما سيشكّل ضربة قاصمة للكيان.
ويُقحم حمزة ما ترتّب عن الحشد الأمريكي، حيث أمرت روسيا بتحليق طائرات ميغ 31 على المنطقة المحايدة للبحر الأسود لمدة 24 ساعة، وتزويدها بصواريخ فرط صوتية قادرة على حمل رؤوس نووية، هي كلها مؤشرات على دخولنا ما يسمى "لعبة الردع" ووجود احتمالات لتوسّع الحرب، حتى وإن كان الخطاب العربي والغربي والصهيوني يدعو حالياً إلى احتواء الوضع.
لكن حمزة حسام يشدّد :"احتواء الوضع يجب أن يبدأ من غزة، ولا يمكن الحديث عن احتواء الوضع دون إيقاف العدوان والهمجية التي يمارسها الكيان، وعليه إذا أردنا أن نوقف الحرب، فيجب أن تأتي المبادرة من الكيان".
وأحال حمزة على أنّ "إستراتيجية الكيان ومؤيديه تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، وذلك عبر التهجير والإبادة وهما وجهان لعملة واحدة، وما نشهده اليوم من وحشية وتقتيل، هو دليل على أنّ الكيان مصاب بحالة من النزق السياسي، ويريد أن يجعل من غزة فضاءً لا يصلح للعيش، ودفع الناس للخروج من القطاع، وحتى سيناريو تهجير الفلسطنيين إلى سيناء، بكل من يعنيه ذلك من مدّ مجال الأمن القومي للكيان إلى فضاء جديد، ومن ثمّ توسيع رقعة المعارك لاحقاً إلى سيناء وبالتالي الاقتراب أكثر من مصر، وكلها سيناريوهات محتملة".
خفايا إستراتيجية الكيان
كشف حمزة عن إستراتيجية جديدة للكيان تقوم على شقّ قناة مائية جديدة توازي قناة السويس تفصل بين فلسطين وصحراء سيناء، وتؤدي في الوقت نفسه إلى الفصل بين إقليمي المنطقتين، ومن ثمّ إستراتيجية الكيان لها أبعاد مختلفة ولا تتوقف على الظرفية الحالية، بل تريد تحقيق أهدافاً في المستقبل، وهي تستثمر في الدعم الغربي القوي جداً لها، في مقابل الصمت العربي وضعف مواقف الكثير من الدول العربية.
وأوضح: "كل ما يقوم به الكيان أنتجت لنا أوضاعاً قد تكون أفلتت من حسابات الكيان، على رأسها هذا الانشقاق الذي بدأ يحصل داخل المجتمعات الغربية بفعل ما يراه العالم من حالات الانتهاك والهمجية والوحشية والتنكيل بالأطفال والنساء في غزة، وأيضاً بفعل ما ينهض به الإعلام البديل أمام عجز الإعلام الرسمي الغربي عن تغطية جرائم الكيان، فيما صارت قدرة الإعلام البديل أكبر من الإعلام الرسمي، وهذا ما يؤدي مع الوقت إلى تشكيل وعي جديد لدى النخب والشعوب الغربية إزاء مشاريع الكيان في المستقبل".
القضية الأمّ من ثوابت العقيدة السياسية للدولة الجزائرية
أبرز د. حمزة أنّ القضية الفلسطينية ثابتاً من الثوابت في العقيدة السياسية للدولة الجزائرية، مشيراً إلى أنّ تفاعل الجزائر مع فلسطين لم يكن بعد طوفان الأقصى بل استبق ذلك من خلال الإصرار الجزائري على أن تعود القضية الفلسطينية إلى قلب ومحور العمل العربي المشترك.
وسجّل المتحدث سعي من الجزائر لعقد جمعية عامة استثنائية لمنح فلسطين العضوية الدائمة في الأمم المتحدة، بجانب رعاية الجزائر لاتفاق الصلح بين الفصائل الفلسطينية.
ونوّه حمزة إلى الحركية الدبلوماسية والسياسية الجزائرية على عدّة مستويات من أجل إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتسليط الضوء على ما يعانيه الشعب الفلسطيني.
وركّز حمزة على أنّ كل ما قامت به الجزائر رسمياً وشعبياً مع فلسطين، إنما هو انسجام وثبات مع المواقف الجزائرية مع القضية الفلسطينية، مضيفاً: "الموقف الجزائري لا يجب أن يُقرأ بعيداً عن السياقات، فالجزائر ظلت تنادي بحل عادل وحقيقي فيه إنصاف لحقوق الشعب الفلسطيني، مع التمسك بالمبادرة العربية التي تدعو لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس".
وأشار إلى الطرح الجزائري فيه الكثير من الإيجابيات، لأنّه يعطي هامشاً للمقاومة ويُشرعن أفعال المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ويأتي مناقضاً لطرح التطبيع والاتفاقيات الإبراهيمية التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وتابع حمزة: "هذه نقطة الاختلاف الأساسية بين ما تدعو إليه الجزائر والكثير من الدول العربية التي تتبنى هذا الموقف، والدول المُطبّعة ونزع حق المقاومة من كل الفصائل الفلسطينية"، موضّحاً: "الجزائر اليوم وبعدما تغيّر السياق، والجزائر لم تساوي أبداً بين الضحية والجلاد، والجزائر تقارب المسألة على أنّ ما يحصل اليوم هو ما مقاومة شرعية من شعب يدافع عن أرضه ودمائه ويجري انتهاك حقوقه بطريقة فجّة وبتواطؤ من المجتمع الدولية، وبالتالي الخطاب الجزائري هو خطاب لوضع المجموعة الدولية ككل أمام مسؤولياتها وأمام ضرورة تطبيق القانون الدولي بعيداً عن هذا التواطؤ الذي لم يؤد إلاّ لمزيد من التمادي من طرف الكيان الصهيوني".
ولاحظ حمزة: "في مقابل ما تدعو إليه الجزائر وباقي الدول، هناك مقاربة أخرى تنص على ألاّ يتدخل أحد ودعوا الكيان يفعل ما يشاء في غزة، وأمام الموقف الجزائري، هناك حالة من الضعف وحالة من الاختراق الشديد جداً من الكيان الصهيوني لمواقف الكثير من الدول العربية، أدّت إلى هذا الضعف في ردّ الفعل، ولم نر إلى حد الآن أي دولة مطبّعة قامت باستدعاء سفير الكيان أو حتى طردته".
وأوعز أستاذ العلوم السياسية: "حتى بالنسبة لمشروع التطبيع بين السعودية والكيان، جرى تجميد العملية وليس إلغاء الصفقة ككل، مثلما أنّ الدول المطبّعة لم يصدر عنها أي موقف يؤكد أنّ احتمالية مراجعة خيار التطبيع هي خيار قائم، لذا ليس هناك تغيّر في الموقف العربي، بجانب عدم القدرة على إحداث إجماع داخل الجامعة العربية برسم الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، وذاك دليل ضعف واختراق".
ولاحظ ضيف الأولى أنّ "التطبيع يؤدي مع الوقت إلى اختراق دوائر صناعة القرار، وبالتالي تصبح هذه الدوائر في حرج، ما أخرج مواقف باهتة وكثير منها ساوت بين المقاومة والاحتلال".