تعتبر مؤسسة الجيش الوطني الشعبي ركنا أساسيا من أركان استقرار وقوة وهيبة الدولة الجزائرية والداعم الأول لمنجزاتها وتطلعاتها على الصعيدين الداخلي والخارجي. فهي قبل كل شيء، القبة الحديدية التي تضمن أمن البلاد وسلامة أراضيها وحماية رموزها ومؤسساتها الدستورية ونظامها الجمهوري الديموقراطي المستمد من هويتها الحافلة بتعدد التجارب والمحن والتضحيات الجسام عبر مختلف الأزمنة والعصور.
وانطلاقا من هذا، اكتسبت هذه المؤسسة مكانة خاصة في وجدان وقلوب الشعب الجزائري منذ الاستقلال باعتبارها سليلا لجيش التحرير الوطني، مفجر الثورة المسلحة في الفاتح نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي تحت لواء جبهة التحرير الوطني.
وكانت هذه الثورة المباركة استمرت سبع سنوات خاض فيها جيش التحرير الوطني معارك بطولية على كامل التراب الوطني بتلاحم ودعم ومؤازرة الفئات الواسعة من الشعب الجزائري في الداخل والخارج وسقط خلالها مليون ونصف المليون شهيد.
ونالت هذه التضحيات إعجاب وتقدير قوى التحرر في إفريقيا وآسيا وأوروبا التي سارعت إلى دعم القضية الجزائرية في المحافل الدولية. وكللت هذه التضحيات الجسيمة بانتصار إرادة الثورة وانتزاع الاستقلال في الـ 5 جويلية من عام 1962 وخروج قوات الاحتلال الفرنسي من الجزائر إيذانا بطي صفحة استعمارية سوداء دامت 132 سنة.
وأقر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني خلال مؤخرا مرسوما يقضي بترسيم الرابع من أوت من كل سنة " يوما وطنيا للجيش ". ويتزامن هذا الإعلان مع الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الستين لعيد الاستقلال من جهة والاحتفاء لأول مرة في تاريخ البلاد بقرار تحويل "جيش التحرير الوطني" في الرابع أوت من عام 1962 إلى "الجيش الوطني الشعبي".
وكانت القيادة السياسية التي تسلمت مقاليد الحكم آنذاك تهدف إلى ملء أي فراغ أمني قد ينجم عن انسحاب جيش الاحتلال المهزوم والاستفادة من خبرة كوادر وتعداد جيش التحرير لبناء نواة جيش نظامي جديد.
وبدا واضحا بأن التسمية اختيرت بعناية من قبل الرعيل الأول من الآباء المؤسسين من أجل ضمان استمرار علاقة التآخي والتلاحم بين الجيش النظامي الجديد والشعب مثلما كانت عليه أثناء ثورة التحرير وكذا المضي قدما في بناء الدولة الجزائرية الحديثة وحمايتها.
وبعد أقل من سنة من عمر الاستقلال، نهض مجددا الجيش الوطني الشعبي وبمؤازرة قوية من الشعب للتصدي لعدوان غادر من نظام المخزن على التراب الوطني خلال شهر أكتوبر من عام 1963، فيما صار يعرف آنذاك بـ «حرب الرمال" وسقط خلالها مئات من الشهداء دفاعا عن حرمة البلاد.
يوم وطني للفخر والاعتزاز بالجيش
يمكن القول إن سن هذا اليوم للاحتفاء بالجيش قرار أصيل وعنوان وفاء وعرفان للقوات المسلحة طال انتظاره من قبل الكثير من المراقبين وأبناء المؤسسة، خصوصا وأن الكثير من دول العالم وتحديدا في المنطقة العربية سبقتنا في هذا المجال للاحتفاء بقواتها المسلحة.
وإقرار «اليوم الوطني للجيش" مدعاة للفخر والاعتزاز والعرفان للمؤسسة العسكرية. وهذا الحدث سيكون بلا شك محطة سنوية لتجديد التواصل والتلاحم بين الشعب وجيشه وخصوصا الشباب والطلبة من الجيل الجديد للتعرف على ما أنجزته هذه المؤسسة العريقة في مختلف المجالات ومنها التحكم في التكنولوجيا العسكرية والنهوض بالصناعة العسكرية وكذا قوة الردع المحققة برا وبحرا وجوا لكبح جماح الأعداء والغزاة المحتملين في أي زمان ومكان.
ومن دون شك، سيحسب فضل هذا الإنجاز ويسجل أثره الطيب في النفوس للرئيس عبد المجيد تبون باعتباره الراعي الأول للمؤسسة العسكرية و قائدها الأعلى والذي يسهر منذ انتخابه رئيسا للجمهورية، قبل عامين ،على تمكينها من أسباب النهضة والرقي والتقدم، لتكون قواتنا المسلحة جاهزة وقادرة على دحر الأعداء ودرء الأخطار الجديدة التي أفرزتها العولمة، و في مقدمتها التحديات الأمنية والإرهابية والجيوسياسية ،الناجمة أيضا عن تفكك بعض الدول المركزية في الجوار وكذا ظهور أطماع خارجية جديدة واشتداد التنافس على مقدرات وخيرات شعوب منطقة الساحل.
الجيش الوطني الشعبي ..مرافق دائم للتنمية
ساهم صدور قانون الخدمة الوطنية في 16 أفريل 1968 في تمكين الجيش من الاستفادة من خبرة العديد من الإطارات الجامعية في تحقيق أهداف التنمية الوطنية في عديد المناطق المحرومة وتجلت مظاهرها في بناء القرى النموذجية والمدارس والثانويات والجامعات للحد من ظاهرة النزوح نحو المدن الكبرى.
مشروع السد الأخضر
وعمل أفراد الجيش الوطني الشعبي منذ سنة 1971 على إقامة حزام غابي عرف باسم «السد الأخضر" وكان الهدف منه مكافحة زحف الرمال والتصحر نحو مدن الشمال، ويمتد هذا المشروع على مساحة تقدر ب 3 مليون هكتار وبطول قدره 160 كلم وعرض 20 كلم.
تطهير الحدود الشرقية والغربية من الألغام
وتمكنت القوات المسلحة من تطهير حقول الألغام الممتدة على طول خطي شال وموريس والتي خلفها الاستعمار الفرنسي وبلغت نحو 9 ملايين لغم، وأدت إلى سقوط أكثر من4800 شهيد خلال الثورة وحوالي 2500 ضحية بعد الاستقلال، بحسب الإحصائيات الرسمية الواردة في التقرير الذي قدمته الجزائر لمنظمة الأمم المتحدة عام 2019.
المشاركة في العمليات الإنسانية
على مدار الستين عاما الماضية، شارك الجيش الوطني الشعبي في المهمات الوطنية الكبرى للإنقاذ ومساعدة الضحايا في مختلف الكوارث الطبيعية التي شهدتها الجزائر وأبرزها زلزال الشلف (الأصنام سابقا) في الـ 10 أكتوبر 1980، وزلزال عين تيموشنت سنة 1999، وفيضانات باب الوادي في الـ 10 نوفمبر 2001، وزلزال بومرداس في الـ 21 ماي 2003.
ولا يمكن نسيان إحدى الصور الرائعة لتلاحم الجيش الشعبي الوطني مع الشعب حينما ارتقى 27 جنديا إلى الشهادة وهو يحاولون مساعدة ضحايا الحرائق " الغادرة" التي شهدتها ولايتي تيزي وزو وبجاية خلال صائفة 2021.
الصناعة العسكرية
تعتبر جزء لا يتجزأ من النسيج الصناعي الوطني واعتمدت على إنشاء وحدات صناعية أوكلت لها مهام تزويد الجيش الوطني الشعبي، بما يحتاجه من المستلزمات. وساهمت الصناعة العسكرية في إعادة فتح مصانع كانت مهددة بالإفلاس أو الغلق على غرار الشركة الوطنية للعربات الصناعية برويبة وغيرها من الوحدات الصناعية المماثلة بولايات الوطن.
المشاركة في حرب أكتوبر 1973
بقرار من الرئيس الراحل هواري بومدين، أرسلت الجزائر وحدات عسكرية لدعم الجيش المصري خلال حرب أكتوبر عام 1973.
وأبلت هذه الوحدات البلاء الحسن في الدفاع عن حرمة التراب المصري وقدمت قوافل من الشهداء. وحلت الجزائر في المرتبة الثانية بعد العراق من حيث الدعم والإمداد العسكري والتعداد البشري. وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي تشارك فيها القوات المسلحة الجزائرية في مهام قتالية بالخارج.
الجزائر مستقرة ... ولأجلها تبذل الأرواح
في الخلاصة، لم يعد خافيا بأن مؤسسة الجيش الوطني الشعبي هي كبرى المؤسسات في الوطن ولقد بذلت الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عن الجزائر ومنجزاتها منذ الاستقلال، رجالها أسود الأمة وسياج الوطن وهم دائماً على العهد في سبيل أن تظل الجزائر شامخة وقوية، والأغلى والأجمل بين الأمم، فهنيئاً للوطن وقيادته بيوم الجيش، وسيظل دائما عنوانا وطنياً ً لوحدة الصف ورمزا للقوة في الجزائر الجديدة.