معركة سوق أهراس الكبرى: الملحمة الوطنية

معركة سوق أهراس الكبرى
26/04/2025 - 11:46

يستحضر الجزائريون، اليوم السبت، معركة سوق أهراس الكبرى التي وقعت بوادي الشوك في السادس والعشرين أفريل 1958.

ويتعلق الأمر بواحدة من أعظم معارك جيش التحرير الوطني وعرفتها ثورة التحرير المجيدة.

وشهدت معركة سوق أهراس الكبرى، مشاركة مجاهدين من مختلف ولايات الوطن وامتزجت دماء من سقطوا فيها شهداء.

واستمرت المعركة أسبوعاً كاملاً، واستخدم فيها الاستعمار الفرنسي ترسانة ضخمة من الأسلحة والعتاد.

وبحسب الباحث في التاريخ، جمال ورتي، الأستاذ بجامعة "محمد الشريف مساعدية" بسوق أهراس، إثر كمائن نصبها العدو الفرنسي.

وأتى ذلك عقب تحصيل الطرف الفرنسي معلومات عن انطلاق قافلة محملة بالأسلحة والذخيرة الحربية من سوق الأربعاء (تونس) إلى الجزائر.

وسعت القافلة لاختراق الخط المكهرب (موريس) والعبور إلى المنطقة الشرقية للبلاد، فقام العدو الفرنسي بنقل حشوده إلى المناطق الجبلية.

وركّز الفرنسيون على أعالي جبل بوصالح بالزعرورية قرب جبال "وادي الشوك" (سوق أهراس)، فتحوّلت الأخيرة إلى مسرح رئيس لمجريات المعركة.

وامتدّ القتال إلى حمام النبائل والدهوارة بقالمة على مساحة تزيد عن الخمسين كيلومتراً مربعاً.

وأشار الباحث جمال ورتي، إلى نجاح قوات جيش التحرير الوطني في اختراق هذا الحصار، وهو ما أشارت إليه جريدة "لا ديباش دو كونستونتين" آنذاك.

وجاء في تقرير للجريدة المذكورة أنّ المعارك دارت بمنطقة "الكاف لعكس"،  على حدود بلديتي لحنانشة (سوق أهراس) وحمام نبائل (قالمة).

استشهاد 639 مجاهداً

استعمل المستعمر وقتها فيالق النخبة من المظليين والمدفعية والمشاة، ما أسفر عن استشهاد 639 مجاهداً من مختلف مناطق الجزائر.

في المقابل، تكبدت القوات الفرنسية خسائر جسيمة تعود إلى استفادة عناصر جيش التحرير الوطني من معرفة المجال الجغرافي لميدان المعركة.

وجرى استخدام تكتيك القتال المتلاحم، ما حيّد سلاح الجو الفرنسي وشلّ محاولات الهجوم من قبل القوات البرية للمعركة.

وقتل في المعركة، أبرز الضباط الفرنسيين في سلاح المظليين وهو "النقيب بومون".

ونجحت الكتيبة التي كان من ضمنها الملازم آيت مهدي سي مقران في العبور وإيصال السلاح إلى الولاية الثالثة التاريخية.

وجرى استقبال سي مقران من العقيد عميروش وبعض الناجين من المعركة بمنطقة بونعمان، بمنطقة القبائل الكبرى.

في هذا الصدد، ذكر البروفيسور عثمان منادي، أنّ القوات الفرنسية سخّرت لتلك المعركة سبعة فيالق وكتيبة من اللفيف الأجنبي.

وهذا بقوام أكثر من أربعة آلاف جندي، بينها فيلقا 8 و28 مدفعية والفيلق 26 و151 و152 مشاة ميكانيكية والفيلقان 9 و12 للمظليين.

واستخدمت فرنسا أسلوب حرق الغابات للإنارة الليلية، إلى جانب الطائرات العمودية التي استخدمت في إنزال المظليين.

وهو ما عرقل قوات جيش التحرير في إيجاد منافذ للخروج من ميدان النار الذي توسع ليصبح خمسين كيلومتراً مربعاً.

وامتد ميدان النار من جبل بني صالح شرقا إلى حدود ولاية قالمة وصولاً إلى سوق أهراس ومرتفعات المشروحة.

وهو ما يفوق ميادين معارك ضخمة في الحربين العالمية الأولى والثانية.

وأضاف الباحث أنّ قوات جيش التحرير الوطني كانت ممثلة في الفيلق الرابع بقيادة المجاهد الراحل محمد لخضر سيرين.

وشارك في المعركة نحو 1200 جندي من جيش التحرير، إلى جانب الكتائب القادمة من تونس والمتجهة لإمداد الولايات الداخلية بالأسلحة.

وشاركت أيضاً كتيبة تابعة لناحية الطاهير بجيجل بقيادة يوسف بوعجيلي وضمّت 135 مجاهداً.

وكان ذلك بمعية كتيبة "ميلة" بقيادة عبد الله باشا و135 مجاهداً، وكتيبة ناحية "سكيكدة" بقيادة محمد يسعد و125 مجاهداً.

وتدعّمت الكتائب المذكورة بثلاث كتائب من الولاية الثالثة التاريخية وكتيبتان من الولاية الثانية ''الشمال القسنطيني''.

صمود أسطوري

أكد الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين، العربي أوذاينية، أنّ معركة سوق أهراس الكبرى تظل رمزاً خالداً لصمود جيش التحرير الوطني.

وواجه المجاهدون الترسانة العسكرية الفرنسية بإرادة فولاذية لا تلين، مقدّمين دروساً خالدة في البطولة والتحدي.

وأضاف أوذاينية أنّ دماء الشهداء التي روت أرض المعركة، جسّدت أسمى معاني التضحية والوحدة الوطنية.

ودعا شباب الجزائر إلى الاقتداء بصبر وبسالة أولئك الأبطال الذين صنعوا مجد الوطن.

ويرى المجاهد أحمد شوشان (88 سنة) أن معركة سوق أهراس الكبرى تبقى شاهدة على بسالة المجاهدين وصمودهم الأسطوري.

وشكّلت المعركة محطة حاسمة لتحويل ضعف الإمكانيات إلى قوة إرادة لا تقهر.

وجسّدت هذه المعركة إحدى المحطات المفصلية في تاريخ الثورة الجزائرية وأسهمت في تعزيز مكانتها السياسية والعسكرية على الساحة الدولية.